ظاهرة الشاعر و الشيخ

بجوار الأزهر الشريف , وعلى امتداد ساحته العريقة يقع حي > الغورية < . واحد من الأحياء القديمة في القاهرة ، حفظ لمصر الكثير من ملامحها الحضارية  و الاجتماعية. البؤس الطويل القديم ، والاستمرار رغم كل شيء . و يقدم هذا الحي كل يوم طاقات عظيمة لا حدود لغناها.

>و جوش قدم< حارة ضيقة ، يصل المرء اليها مخترقا صفوف عربات اليد الصغيرة التي تحمل نمادج من انتاج >خان الخليلي< بينما تفوح من الحوانيت المصفوفة على الجانبين رائحة البخور و العطور الشرقية. و لان المكان يأبى الا أن يخاطب في زائريه كل الحواس معا ،فان نداءات الباعة و أصوات المؤذنين و تراتيل المقرئين و المصلين لا تتوقف ليللا أو نهارا حيث يصنع الايمان هنا حاجزا منيعا ضد اليأس المطلق .

في >جوش قدم< يعيش شاعر و مغن ، و رسام ، ونحات في بيت قديم متآكل ، و في الوقت الذي يبدو فيه هذا البيت القديم آيلا للسقوط يعد مخزنا حقيقيا للاسرار و يستعصي على القدم و التفسخ .. الشيخ امام عيسى ،و الشاعر أحمد فؤاد نجم و فريقهما الصغير الذين يقفون اليوم في مقدمة الظواهر الايجابية التي ولدتها هزيمة> حزيران < بكل اهوالها ، فمن حيث لا يدري أحد و لا يتوقع يقدم الشعب المصري مفاجآته في لحظات الظلام الكثيف.

 

غيفارا و أبو علي اياد

في غرفة صغيرة بالدور العلوي ، يسهر الشيخ >مولانا< كل ليلة و فوقه صورتان احداهما لغيفارا و الأخرى > لأبي علي اياد< رسمهما مرافقه و صديقه > محمد علي< . في هذه الغرفة يجتمع دائما عدد كبير من مثقفي مصر شبابا و شيوخا . و على اختلاف اهتماماتهم و أعمالهم يجمعهم شيء واحد هو حلم التغيير و التوق المضني إلى الخلاص . و قد صاغ كل من الشاعر و الشيخ الحلم و التوق معا . و أضافا إلى ذلك أنهما قدما بالفن البسيط حلولا. و كانت هذه الحلول حصيلة رحلة طويلة , قطعها كل على حدة في البدء ثم التقيا ليواصلا معا طريقا لا يحده الزمن و لا الموت. و من خلال الجوع و التشريد و السجون و المعتقلات خرجت الكلمات و الأنغام متكاملة تماما  مع المواقف العملية لتجرف في طريقها ببطء و أناة الحواجز و المواقع .فوصلت رغم الحصار و المصادرة الى شباب العمال و الطلاب .